يحكى أن الكليم موسى بن عمران (ع) مر ذات يوم وهو في طريقة لمناجاة الله على طور سيناء على ملك تحف به أعضاء ملكه وحاشيته وخدمه وهو غارق في زينته وحليته فتقدم وسلم على الكليم وقال يانبي الله إذا ذهبت إلى المناجاة فاسأل الله أن يخفف عني فرط الغنى ويقل هذا الدخل من الأموال فإني أخشى أن يطغيني أو يشغلني عن عبادة الله وطاعته فأجابه وذهب عنه فمر بمزرعة يعمل فيها رجل بائس فقير وهو يتململ من البرد ليس له ما يستر جسمه من لباس فأتى وسلم على الكليم وشكا له ماهو فيه من الفقر ليسأل الله له بالغنى فأجابه. ومر في طريقه على برجل فقد سقط عليه بناء نصفه تأكله الوحش والسباع ونصفه الأخر تحوطه ملائكة تبكي لأجله ثم مرت به جنازة احد الأمراء وخلفها أفواج الناس تشيعها وقد صفت بها ملائكة العذاب فتعجب الكليم مما رأى وقال ما رأيت كاليوم.
فلما رقي الطور وناجى ربه عرض عليه ما رأى وما سأله الغني والفقير فقال عز وجل يا موسى أما الغني فقل له أن يشكرني على النعم ولا يسأل القلة وإلا أذنت للسماء أن تمطر ذهباً ولؤلؤاً لأن أباه صرف أمواله كلها في سبيل الله ووكله في حياته إلي.
وأما الفقير فقل له أن يقنع بما رزقته ولا يسأل الزيادة وإلا تركته يمشي عارياً لأن أباه طول حياته كان يجمع الأموال لئلا يحتاج إلى الله فصرف تلك الأموال كلها في السكر والزنا لم يصرف منها درهماً في سبيل الله.
وأما المؤمن الذي وقع عليه الجدار لم يجد من يشيعه أو يواريه فإنه احد اوليائي ملأ صحيفته كلها بالأعمال الصالحة وليس فيها إلا سيئة واحدة وقد جعلت وقوع الجدار عليه مكفراً لتلك السيئة ليكون مصيره يوم القيمة إلى الجنة بغير حساب.
وأما الميت الذي رأيت الناس قد احتشدت لتشييعه وملائكة العذاب حول سريره فهو غني صرف عمره كله في المعاصي والسيئات ولم يكسب إلا حسنة واحده وقد جعلت هذا الاجتماع الهائل من الناس لتشييع جنازته جزاء لتلك الحسنة حتى لايبقى في صحيفته مايستحق به ثواباً ويكون مصيره يوم القيامة إلى النار.